أزياء الجزيرة الفلكلورية سجل يحفظ التراث من الاندثار
تشكل الأزياء الفلكلورية سجلاً لحفظ عادات المجتمع وتراثه الاجتماعي والاقتصادي ناهيك عن تراثه الثقافي، إذ يمكننا تشبيهها بمرآة تعكس سياقاً طويلاً من التطور عبر مراحل متعاقبة.
لذلك جاء اهتمام مشروع (بيت الجزيرة – Mala Cizîrê – ܒܝܬܐ ܕܓܖܪܬܐ) بهذه الأزياء لما لها من دور في تسليط الضوء على مخزون ثقافي هائل لسكان المنطقة من (الكرد والعرب والسريان والإيزيديين).
استهلَّ الفريق نشاطاته بزيارة قرية (طولكو) في ريف الحسكة، حيث تعرف الفريق على الزي التقليدي للإيزيديين، بعد لقاء مطول مع المصممة (حليمة جندو) التي تحدثت عن تاريخ هذا الزي.
إذ قالت جندو إن لكل فئةٍ عمرية لباسٌ مميز، ففئة الشباب ترتدي ثياباً متمايزة عن فئة كبار العمر، أما من حيث اللون، فيطغى اللون الأبيض غالباً على أزياء الفتيات، اللاتي تعتمدن على التصاميم المستوحاة من طائر الحمام (الميتاني) الأبيض، باعتباره أحد رموز السلام.
تضمن أسبوع الألبسة التراثية زيارات وجلساتٍ عدّة تمكَّن خلالها الفريق من التعرف بشكل عام على أنواع الأزياء الفلكلورية وألوانها وأوقات ارتدائها ودلالاتها ورمزيتها التاريخية، خصوصاً خلال الزيارة الذي نظمها الفريق إلى عدد من المهتمين بالأزياء الكردية مثل (زركة أم زكريا) من حي الناصرة في الحسكة.
إذ تقول خبيرة الأزياء التراثية الكردية: “لكل مناسبةٍ زيٌّ يمكننا تمييزه عن الآخر، فنرى أثناء العزاء والأحزان أزياء مختلفة عن تلك التي يتم ارتدائها خلال مناسبات أخرى، فالأولى تكون ذات ألوان قاتمة غير براقة خالية من الحِلي، بينما نرى العكس في المناسبات والحفلات إذ تكون الألوان لامعة ومستوحاة من ألوان الربيع والحلي طاغية.”
أما بخصوص الزي الخاص بـ (ليلة الحنّاء) أو (Êvara Hinê) بالكردية أو (حينو – ܚܝܢܐ) بالسريانية)، فتلجأ الفتيات الكرديات لاعتماد اللون الأحمر الجذاب المرصع بالحلي مع تصاميم محدثة.
فريق المنسقين والمتطوعين قام بزيارة خاصة أيضاً مشغل (شاميرام) للأزياء الفلكلورية السريانية الآشورية في حي الوسطى في (القامشلي / قامشلو / ܙܐܠܝܢ).
إذ تعرفوا على تصاميم الزي السرياني الآشوري الذي يختلف عن غيره من أزياء سكان الجزيرة سواء من حيث الألوان والتصاميم والدلالات والرمزية وأنماط تراتبيتها الاجتماعية القديمة ومناسبات ارتدائها كعيد (الآكيتو – ܐܟܝܬܐ) المعروف برأس السنة البابلية الآشورية، وخصوصاً زي (الخومالا)، الأكثر انتشاراً بين النساء، والذي يتألف من: الفستان الطويل (ܨܘܕܪܐ – صودرا)، الصدر (سنجق – ܣܢܓܩ) ، الحزام (كومارا – ܟܘܡܐܪܐ)، قبعة الرأس (بوشية – ܒܘܫܝܐ)، قطعة الرقص (يالختة – ܝܐܠܟܬܐ).
فمثلاً يمتاز زَيُّ (الملوك / ܡܠܟܐ) عن أزياء العامة بإضافته المميزة، كالصولجان والتاج والحلي المميزة، كما يتميز زي الملكة بطوله الذي يصل إلى الأرض والشال الذي ينقش بخيوط ذهبية وزهرة (البيبون / ܒܝܒܘܢ) المستوحاة من التراث الآشوري.
وكان للزِّي العربي الأصيل نصيب من هذا الأسبوع الخاص بالأزياء الفلكلورية، إذ تجسَّد ذلك من خلال الزيارة التي قام بها الفريق لمنزل المصممة (تهاني الدخيل) في حي الكلاسة بالحسكة.
شرحت الدخيل تفاصيل تاريخية مرتبطة بالأزياء العربية التراثية ودلالاتها وألوانها باعتبارها جزءاً من العادات والتقاليد الضاربة في القدم، فمثلاً يعتبر عقد (اليشمر) أو وضع العباءة على الكتف دلالة على وجود طلب بحاجة إلى التلبية.
ولأن الثقافة تعتبر كلاً جامعاً لتراث المجتمع في الفنون والأفكار والأحداث التاريخية بالإضافة إلى المأكل والملبس وغيرها، فإن الأزياء الفلكلورية تصير بهذا المعنى إحدى المؤشرات الدالة على ثقافة كل مجتمع، سواء من خلال التصاميم أو الألوان السائدة أو أساليب الحياكة باختلاف مناسبات ارتدائها، وحتى الظروف المتعلقة بالمناخ وتفاصيل الحياة اليومية البسيطة منها والمعقدة.
يعتبر مشروع (بيت الجزيرة – Mala Cizîrê – ܒܝܬܐ ܕܓܖܪܬܐ) الذي أطلقته منظمة (GAV) في بداية آب / أغسطس الفائت، محاولة للاحتفاء بالاختلافات الثقافية وتعزيزها باعتبارها ركيزة جوهرية في بناء وحفظ السلم الأهلي والعيش المشترك المستدام، وتعزيز عوامل التماسك المجتمعي من خلال تعميق معرفة المكونات ببعضها البعض وفتح قنوات تواصل غير تقليدية فيما بينها.